الأميركيتان
خضر خروبي
الثلاثاء 10 حزيران 2025
استخدم عناصر الأمن الفدراليون في المواجهات قنابل الغاز والقنابل المسيّلة للدموع (أ ف ب)
على وقع استمرار الاحتجاجات في مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وما تبعها من انتشار لقوات «الحرس الوطني» في المدينة التي تضم جالية لاتينية كبيرة، يبدو الرئيس دونالد ترامب الذي سبق أن تعهد بإغلاق الحدود الأميركية - المكسيكية، بما يشمل المنطقة الحدودية لكاليفورنيا، وترحيل ما لا يقلّ عن 3000 من الأشخاص الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني، جادّاً في تنفيذ ما تعهد به في برنامجه الانتخابي حول ملف الهجرة، أياً كانت العواقب، مستغلّاً «هجوم كولورادو» كذريعة لتدشين خطوة جديدة في هذا الاتّجاه.
المشهد الاحتجاجي المتصاعد في الولاية هي صاحبة رابع اقتصاد على مستوى العالم، فضلاً عن كونها موطن مركز الإبداع التكنولوجي الأميركي، أو ما يُعرف بـ«وادي السيليكون»، بدأت شرارته الأولى مساء الجمعة حين شرعت «وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك» في تنفيذ حملات اعتقال وترحيل بحق العشرات من المهاجرين غير النظاميّين، لا سيّما في الأحياء ذات الكثافة السكانية اللّاتينية، بذريعة انتهاكهم قوانين الهجرة، قبل أن يتحوّل إلى صدامات بين حشود غاضبة، من بينها كوادر نقابية وعمّالية، من جهة، وأفراد الشرطة في منطقة باراماونت، الواقعة جنوب شرقي مدينة لوس أنجلوس، من جهة أخرى. واستخدم عناصر الأمن الفدراليون في المواجهات قنابل الغاز والقنابل المسيّلة للدموع، في حين سُجلت هجمات على مبانٍ تابعة للوكالة في مناطق مختلفة داخل المدينة، ونجم عن تلك الاضطرابات اعتقال نحو ألف من «مثيري الشغب»، بحسب وزارة الأمن الداخلي الأميركية.
ومع شيوع أنباء التظاهرات، وتمدّدها نحو مدن أخرى، وفي طليعتها نيويورك، التي كانت مسرحاً لفعاليات احتجاجية تضامنية مع المهاجرين، لم يتأخّر ترامب في التلويح بتدخّل الحكومة الفدرالية للعمل على ما سمّاه «حلّ مشكلة أعمال الشغب والنهب بالطريقة التي يجب أن تُحل بها»، محذّراً عبر منشور على حسابه في منصة «تروث سوشال»، السلطات المحلّية، وتحديداً حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، ورئيسة بلدية لوس أنجلوس، المحسوبيْن على الحزب الديمقراطي، من التقاعس في «أداء واجبيهما»، كما قال.
وفي ظل إخفاق السلطات الأمنية المحلّية في إخماد التظاهرات لليوم الثاني على التوالي، أعلن البيت الأبيض، في بيان، صدور مذكّرة رئاسية بنشر ألفَي عنصر من قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس، بذريعة «معالجة الفوضى التي سُمح لها بالتفاقم»، في موازاة دعوة الرئيس إلى حظر ارتداء الأقنعة أثناء الاحتجاجات. وندّد البيان بما وصفه بـ«الاعتداءات العنيفة التي تعرّض لها ضباط إدارة الهجرة والجمارك وعناصر من أجهزة إنفاذ القانون الفدرالية» في المدينة، معلّلاً قرار ترامب بأنّ «قيادات ولاية كاليفورنيا من الحزب الديمقراطي أخفقت في أداء واجبها في حماية المواطنين وضمان سيادة القانون».
وأثناء مؤتمر صحافي الأحد، وصف ترامب حاكم ولاية كاليفورنيا بـ«غير الكفوء»، متّهماً إيّاه بـ«السماح بتمزيق البلاد»، مدّعياً أنّه طلب من حاكم الولاية التعامل مع الاحتجاجات قبل أن يقرّر إرسال وحدات «الحرس الوطني». كما لوّح بنشر الجيش في لوس أنجلوس إذا ما تطلّب الأمر، مضيفاً أنّ «هناك أشخاصاً عنيفين، ولن نسمح لهم بالإفلات (من العقاب) عن ذلك». وفي معرض ردّه على سؤال حول إمكانية تفعيل «قانون التمرّد» الذي يتيح نشر القوات المسلحة لقمع احتجاجات، أكّد ترامب «(أننا) ننظر بشأن القوات في كل مكان»، في حين هدّد وزير الدفاع، بيت هيغسيث، بإمكانية نشر قوات «المارينز» إذا استمرّت أعمال العنف في لوس أنجلوس.
نشر «الحرس الوطني» يثير حفيظة الديمقراطيين
كشفت السلطات المحلّية في ولاية كاليفورنيا، التي تُعدّ إحدى أكثر الولايات ليبرالية، وذات الإرث التاريخي «اليساري» العدائي مع ترامب، أنّ نحو 300 عنصر من الحرس الوطني تمركزوا في الساعات القليلة الماضية في 3 مناطق رئيسة في مدينة لوس أنجلوس، لا سيّما في المرافق الفدرالية، ومن بينها مركز احتجاز «ميتروبوليتان»، حيث وقعت شرارة المواجهات، في حين أكّدت قيادة الشرطة في المدينة تمسّكها بحماية «حق الجميع في التجمع السلمي والتعبير عن الآراء».
وعلى الفور، تسارعت وتيرة الانتقادات من جانب الديمقراطيّين لخطوة ترامب، إذ وصف حاكم الولاية، بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس، ما قام به الأخير بأنه «تحريضي واستعراضي»، داعياً المحتجّين إلى التزام الهدوء وتجنّب العنف، مغلّفاً دعوته بتهديد بحجب مدفوعات ضرائب الولاية عن الحكومة الفدرالية. كما علّق نيوسوم، وهو أحد أهم عناوين الحزب الديمقراطي لاستعادة البيت الأبيض، عبر حسابه على منصة «إكس»، على تهديد هيغسيث بالقول: «إنّ نشر مشاة البحرية على أرض أميركية ضد أميركيّين هو سلوك مختلّ».
ترامب كان قد اتّهم، أثناء حملته الرئاسية، الديمقراطيّين بتدمير كاليفورنيا
وندّد السيناتور عن ولاية كاليفورنيا، آدم شيف، بدوره، بقرار نشر «الحرس الوطني» في لوس أنجلوس من دون موافقة حاكم الولاية، بوصفه «سابقة خطيرة»، مشيراً إلى أنّ هذا الإجراء يهدف إلى «تأجيج التوتّرات وزرع الفوضى»، مع تحذيره ممّا قد يعنيه ذلك على مستوى «تقويض الثقة» في الحرس الوطني.
وفي الإطار نفسه، استنكرت عمدة لوس أنجلوس، كارين باس، المعروفة بمناهضتها لأجندة ترامب الاجتماعية، الحملة الأخيرة ضد المهاجرين، معربة عن «اعتزازها بهؤلاء الذين يساهمون في (نمو) البلاد بعدّة طرق»، مؤكّدة أنّ «هذه التكتيكات تزرع الرعب في مجتمعاتنا وتعطّل المبادئ الأساسية للسلامة في مدينتنا». كذلك، ندّد حكام ولايات أميركية ينتمون إلى الحزب الديمقراطي بقرار البيت الأبيض، مشيرين إلى أنّ صلاحية الاستعانة بقوات «الحرس الوطني» تعود إلى حاكم الولاية. ورأى الحكام، في بيان مشترك، أنّ القرار المذكور يُعد «إساءة استخدام للسلطة تنذر بالخطر».
كاليفورنيا vs ترامب
وفي معرض تحليله لما جرى، تحدّث موقع «بوليتيكو» عن التباينات الأيديولوجية العميقة بين السواد الأعظم من مجتمع كاليفورنيا، وأركان البيت الأبيض، مشيراً إلى وجود مساعٍ لدى مسؤولي إدارة ترامب لتصوير أحداث يوم الجمعة الماضي باعتبارها «هجوماً من جانب سياسيّين ديمقراطيّين» ضد سياسات الرئيس، وبخاصة برنامجه ضد المهاجرين، علماً أنّ ذلك البرنامج لم يقتصر فقط على المهاجرين غير الشرعيّين، بل شمل أيضاً الأشخاص المقيمين قانونياً في البلاد، بمن فيهم من أشخاص يحملون إقامة دائمة.
وبحسب مراقبين للشأن الأميركي، فإنّ احتجاجات لوس أنجلوس من شأنها أن تدشّن اتجاه الولاية، التي لم يحصل فيها ترامب سوى على 38 في المئة من الأصوات في انتخابات العام 2024، نحو تصعيد متنامٍ تجاه الرئيس الجمهوري على أكثر من صعيد. ويتعزّز هذا التوقّع بالنظر إلى تضرّر الولاية من السياسات المناخية والتجارية للرئيس، سواء من منطلق كونها إحدى الولايات الرائدة على مستوى «السياسات الخضراء»، أو إحدى أكثر الولايات المتأثّرة سلباً بالتعرفات الجمركية التي فرضها أخيراً على عدد كبير من دول العالم، فضلاً عن تساهل قوانين الولاية مع ملايين المهاجرين غير النظاميّين. والجدير ذكره، هنا، أنّ ترامب كان قد اتّهم، أثناء حملته الرئاسية، الديمقراطيّين بتدمير كاليفورنيا، معتبراً أنّ أسلوب إدارتهم لها «مجنون».